كيف تنطلق قاطرة الشركات الناشئة فى القطاع الزراعى؟

لا تزال قاطرة الشركات الناشئة العاملة في القطاع الزراعي، تبحث عن انطلاقة وتوديع حالة التحرك البطئ.
فالشركات، بحسب خبراء وقيادات تنفيذية للشركات تحدثوا لـ”البورصة”، لاتزال عالقة في مرحلة النمو المحدود دون مسار واضح للتوسع.
وتهيمن نشاطات “إعادة التدوير والتقنية”، على الشركات الناشئة بالقطاع الزراعي، بواقع 36 شركة من إجمالي 57 شركة ناشئة مشتغلة بالنشاط الزراعي، بنسبة 63%.
ووفقا لمسح أجرته”البورصة”، تمثل شركات إدارة المخلفات الزراعية وإعادة التدوير نحو 31.5%، بواقع 18 شركة ناشئة.
كما توجد 18 شركة ناشئة عاملة بمجال التحول الرقمي والزراعة الذكية بالنسبة نفسها.
وتوجد 6 شركات ناشئة عاملة بمجال الأمن الغذائي والإنتاج المستدام تمثل أكثر من 10.5% من إجمالي عدد الشركات الناشئة العاملة بالنشاط الزراعي في السوق المصري، تشمل أنشطتها الزراعة المائية والبروتين البديل (مثل الطحالب والحشرات) والزراعة العضوية.
أما شركات المحاصيل المتخصصة والتصدير فتمثل نحو 5% بواقع 3 شركات، يرتكز إنتاجها على النباتات الطبية والعطرية والمحاصيل العضوية عالية الجودة وسلاسل التوريد للأسواق الخارجية.
كما يضم القطاع 12 شركة ذات أفكار غير تقليدية، كالأفكار المتعلقة بالزراعة العمودية أو النماذج التجريبية الجديدة، مثل (Terraphoenix).
وتمثل هذة النوعية من الشركات نحو 21% من إجمالي عدد الشركات الناشئة العاملة بالمجال الزراعي.
وحسب مؤشر النظام البيئي العالمي للشركات الناشئة 2025، فإن إجمالي عدد الشركات الناشئة المصرية العاملة بمختلف النشاطات بلغ 563 شركة حتى منتصف 2025، ما يعني أن الشركات الناشئة العاملة بمجالات الزراعة تمثل نحو 10% منها.
وأجرت “البورصة” تحليلًا كاملًا للشركات الناشئة العاملة بالسوق المصرية في النشاط الزراعي “فقط”، بالاستعانة بقاعدة بيانات منصة “F6S” العالمية، التي تضم شبكة واسعة من 1.6 مليون شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا حول العالم.
شركات ناشئة تقود الاقتصاد الدائري
بحلول مبتكرة في مجالات التكنولوجيا الحيوية والطاقة والأعلاف، أعادت الشركات الناشئة في مصر تعريف مفهوم النفايات الزراعية، لجعلها منتجات ذات قيمة اقتصادية وبيئية عالية.
وبرزت شركة بروتينا، كنموذج في ذلك المجال، إذ تخصصت في التكنولوجيا الحيوية لإنتاج بروتين مُعاد تركيبه باستخدام يرقات الذباب بدلًا من التقنيات التقليدية، ما أسهم في خفض التكاليف بشكل كبير، وقد حصلت الشركة على تمويل من “Shorooq Partners” و3 مستثمرين آخرين لدعم خططها التوسعية.
كما تبرز شركة كيبرا فيد، التي تأسست عام 2020، وقدمت حلاً لمشكلة المخلفات العضوية وتكلفة الأعلاف، إذ استخدمت يرقات ذبابة الجندي الأسود لاستخلاص البروتينات والدهون من النفايات وإنتاج أعلاف حيوانية عالية الجودة ومنخفضة التكلفة، وحصلت الشركة على تمويل أولي بقيمة 5 آلاف دولار من “Cornell Tech”.
وتركز مجموعة أخرى من الشركات على تحويل المخلفات العضوية والزراعية إلى أسمدة ومحسنات للتربة، ما أسهم في استعادة خصوبة الأراضي وزيادة الإنتاجية الزراعية بطرق مستدامة.
وتبرز شركة لاكتو بوكاشي إيجيبت، إذ تصنع لقاحات تحتوي على ميكروبات نافعة لتخمير المخلفات العضوية وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة.
أيضا، تعمل شركة شتلة، وتنشط في تحويل المخلفات العضوية إلى سماد عضوي موجه ومخصب ذاتيًا يسمى “التربة الذكية”.
تحويل النفايات إلى كهرباء وغاز حيوي
تستخدم شركة إيكو-جرين ، تقنية “الغاز الحيوي” لتحويل المخلفات العضوية إلى غاز وحرارة وكهرباء وأسمدة وأعلاف.
كما تعمل شركة بيو مصر المحدودة، على تقديم مجموعة واسعة من تقنيات تحويل المخلفات إلى طاقة.
وتقدم شركة بيور لايف، حلًا لتحويل المخلفات العضوية إلى سماد وغاز الميثان.
وتعد شركة شيتوسان، نموذجًا فريدًا حيث تستخلص مادة الشيتوسان الطبيعية من قشور الجمبري لاستخدامها في إنتاج مبيدات فطرية ومحسنات نمو للمحاصيل.
وفي مجال المخلفات غير العضوية، تعمل شركة ريسايكلايزر ، على جمع مخلفات الأكياس البلاستيكية وإعادة تشكيلها لاستخدامها في الزراعة المستدامة.
بينما تنتج شركة جلاسولينا، ألواح مركبة من الخشب والبلاستيك المُعاد تدويره تساهم في تقليل البصمة الكربونية للمباني.
ويقدم مشروع شركة المخترعون المصريون (Egyptian Inventors)، حلًا مبتكرًا لمشكلة “ورد النيل” من خلال تحويله إلى غذاء للحيوانات، مما يسهم في الحفاظ على الموارد المائية.
ثورة زراعية رقمية
تتصدر شركة إيجريت ، كنموذج رائد في مجال الثورة الزراعية الرقمية، إذ وفرت حلولًا دقيقة لمراقبة المحاصيل تتيح تتبع حالة المياه وصحة النباتات ومستويات التسميد، مع تقديم توقعات للإنتاجية.
وعلى نفس الدرب، قدمت شركة فارمتوبيا ، نموذجًا للزراعة المستقلة عبر دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع صور الأقمار الصناعية وأجهزة استشعار إنترنت الأشياء (IoT) لأتمة عمليات الري والتسميد.
ولم تقتصر الابتكارات على مراقبة المحاصيل، بل امتدت لتشمل مختلف جوانب العملية الزراعية، من الري الذكي إلى استخدام الروبوتات، وتعد شركة لوتس للحلول الذكية، رائدة في أنظمة الري الذكية التي يتم التحكم فيها عبر الهاتف المحمول، ما يسهم في ترشيد استهلاك المياه.
وفي مجال الأتمتة، برزت شركة فارميتيك (FarmeTech)، التي تأسست عام 2019، بهدف استخدام الروبوتات في رش المبيدات الحشرية، ما يزيد من كفاءة العملية ويحمي صحة العمال.
مزارع الألبان والدواجن
لا يقتصر التحول الرقمي على المحاصيل الزراعية، بل امتد ليشمل قطاع الثروة الحيوانية، إذ قدمت عدة شركات حلولًا مبتكرة لإدارة المزارع بكفاءة، وتخصصت شركة أجريكولوجي ، في الزراعة الدقيقة للثروة الحيوانية، إذ تساعد في الكشف المبكر عن أمراض أبقار الألبان باستخدام حساسات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي.
وفي قطاع الدواجن، قدمت شركة أبو قردان، حلًا سحابيًا لإدارة سلسلة القيمة للدواجن باستخدام التعلم الآلي والبلوك تشين.
كما تعمل شركة داجن، كسوق رقمية يربط بين المزارعين والتجار والمسالخ، مع استخدام الذكاء الاصطناعي لتوفير التمويل.
كما ابتكرت بعض الشركات حلولًا جريئة لاستصلاح الأراضي الصحراوية والوصول إلى الفضاء.
وتصدرت المشهد شركة تيرافونيكس، التي تأسست العام الحالي، بفكرة تطوير نظام مستقل لتحويل الصحاري إلى أنظمة بيئية خضراء دون الحاجة لعمالة بشرية أو ري، باستخدام طائرات دون طيار تعمل بالذكاء الاصطناعي ومحلول تربة مهندس بيولوجيًا.
وفي طليعة الشركات التي تركز على توفير مدخلات زراعية مستدامة، تأتي شركة الشوباري للحلول الزراعية الذكية ، والشركة مختصة في مجال التكنولوجيا الحيوية، إذ تنتج أسمدة ومبيدات حيوية مبتكرة تسهم في تعزيز نمو النباتات وحماية التربة من الكيماويات الضارة.
الأسواق العالمية
لم تقتصر الابتكارات على تحسين الممارسات التقليدية، بل امتدت لتشمل نماذج إنتاج جديدة تهدف إلى تقريب المسافة بين المنتج والمستهلك، وفتح آفاق عالمية للمحاصيل المصرية.
فقد قدمت شركة فودسكيب آند جرو برو، أول خدمة “تنسيق حدائق صالحة للأكل” في مصر.
وفي مجال التصدير، ركزت شركة بي آند إي كينوا ، على إنتاج محصول الكينوا من المزارعين الصغار وتصديره مباشرة إلى السوق الأوروبية، ما فتح قناة تسويقية جديدة وعزز من دخل صغار المزارعين.
الزراعة التصديرية والأتمتة
بتقنيات مبتكرة في الزراعة المائية والتكنولوجيا الحيوية، تضع 3 شركات مصرية ناشئة بصمتها على قطاع الزراعة، مستهدفة تعزيز جودة الإنتاج وفتح آفاق جديدة في الأسواق العالمية، وهي شركة فراولة تيك، وشركة هايدرو فالي، و شركة شيتوزان إيجيبت ، ونجحت في تطوير منتجات عضوية فريدة من نوعها تعتمد على مادة “الشيتوزان”، بهدف حماية وتغذية المحاصيل عالية القيمة مثل تلك الموجهة للتصدير والزراعة العضوية.
ولم تقتصر الابتكارات على الجانب المالي، بل امتدت لتشمل أتمتة العمليات الزراعية، ما أسهم في زيادة الكفاءة وتقليل الاعتماد على العمالة اليدوية.
وقدمت شركة بادرة، آلة زراعية مبتكرة تساعد المزارعين في عمليات الحرث والتقليب وإزالة الحشائش.
بينما تعمل شركة يونوفا، على تصميم وإنتاج أجهزة إلكترونية متخصصة مثل جهاز تغذية الأسماك الآلي لمزارع الأسماك.
وفي قطاع الدواجن، تقدم شركة أوتو بولتري ، حلًا لمراقبة الظروف البيئية والتحكم فيها تلقائيًا باستخدام شبكة من الحساسات.
تطبيقات تنظم الإنتاج والتسويق
عملت بعض الشركات على تقديم حلول متكاملة لتحليلها وتوفيرها للمزارعين والمؤسسات.
إذ تعمل شركة نايل فارمر ، على تنظيم مساحات الخضروات المزروعة شهريًا لتحقيق توازن في السوق وضمان ربح المزارعين.
كما تعمل شركة ري شريمب ، على تصنيع مادة “الشيتوسان” العضوية من مخلفات قشور الجمبري لإنتاج منتجات عضوية عالية الجودة.
من جانبه، قال خبراء وقيادات تنفيذية بالشركات لـ”البورصة”، إن القطاع واعد، مطالبين بالتركيز على حل بعض الإشكاليات.
نصر : حركة الشركات مؤشر على صعود الاقتصاد الدائري في الزراعة
أكد المهندس وليد نصر، مؤسس شركة زرعي للتكنولوجيا الزراعية، أن الشركات الزراعية الناشئة في مصر، ينتظرها مستقبل مزدهر، رغم محدودية حجمها حاليا.
أضاف أن تركيبة القطاع تكشف عن تحول نوعي في طبيعة النشاط الزراعي المحلي، من الاعتماد على الأساليب التقليدية إلى التركيز على التكنولوجيا والابتكار والاستدامة.
وأوضح نصر، أن الشركات الزراعية الناشئة العاملة في مجال إدارة المخلفات الزراعية وإعادة التدوير تعد مؤشرًا على صعود الاقتصاد الدائري في الزراعة المصرية، ما يعكس دخول التقنيات الحديثة في الحقول المصرية.
خضر: الجولات التمويلية محدودة والقطاع في طور التأسيس وليس النضج
وقال إيهاب خضر خبير الإدارة الاستراتيجية، إن الشركات الزراعية الناشئة بمصر تتجه نحو القطاعات الأكثر ابتكارًا وتقنية، في انسجام مع التحولات العالمية في الزراعة، من خلال إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والزراعة الدقيقة والروبوتات، لمراقبة المحاصيل، وأنظمة الري الذكية وأتمتة التسميد وتحليل بيانات التربة.
وأكد أن أغلب الشركات الزراعية الناشئة تحصل على تمويلات أولية محدودة، معظمها من حاضنات محلية أو برامج دولية، مع مساهمات محدودة من مستثمرين وصناديق عربية، ولكن التمويل يرتكز على الشركات القابلة للتوسع السريع، بينما ما تزال جولات التمويل المتقدمة غائبة، ما يعكس أن القطاع في طور التأسيس وليس النضج، غير أن دخول صناديق الاستثمار الكبرى سيحدث مع بروز قصص نجاح ملموسة.
عيسى: لدينا سلاسل قيمة جديدة تقلل الفاقد وتعزز الإنتاجية والصادرات
وقال الدكتور هشام عيسى، مدير صندوق حماية البيئة سابقًا وعضو مجلس إدارة شركة دي كاربون جلوبال، إن الشركات الزراعية الناشئة هي محاولة محلية لمعالجة أزمات هيكلية عبر حلول تكنولوجية وبيئية، في ظل تحديات ندرة المياه وتغير المناخ وارتفاع فاتورة استيراد الغذاء.
وأضاف أن القطاع يخلق سلاسل قيمة جديدة، تقلل الفاقد الزراعي وتعزز الإنتاجية والصادرات، خصوصًا في الأسواق المتخصصة مثل المنتجات العضوية والبروتينات البديلة، إضافة إلى الإمكانات الواضحة في خفض تكاليف الإنتاج، ورفع كفاءة الموارد، وجذب الاستثمارات الخضراء، وتوفير الوظائف النوعية، رغم تحديات التمويل والبنية التحتية الريفية والإطار التنظيمي وضعف الربط مع المزارعين التقليديين.
حسانين: التراخيص والجمارك تظل عائقًا أمام دخول تقنيات حديثة للسوق
وأكد الدكتور حازم حسانين، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، أن الشركات الواعدة تظل عالقة في مرحلة النمو المحدود دون مسار واضح للتوسع، بسبب غياب منصات تمويل متخصصة من ناحية إدارية وعدم وجود رؤية وطنية موجهة للتمويل في ذلك القطاع ضمن أولويات الأمن الغذائي والتحول الأخضر من ناحية استراتيجية.
وأضاف أن تحدي الأطر التنظيمية لا يسمح بسرعة اعتماد تقنيات الزراعة الذكية أو البلوك تشين في التمويل الزراعي أو البروتين البديل. كما أن الإجراءات البيروقراطية المتعلقة بالتراخيص والأراضي والجمارك تبقى عائقًا أمام دخول تقنيات جديدة إلى السوق.
وأوضح حسانين، أن ضعف التنسيق بين وزارات الزراعة والبيئة والاتصالات وهيئة الاستثمار يخلق “فجوات مؤسسية”، إضافة إلى أن معظم الشركات الناشئة لا ترتبط بشبكات الإنتاج الزراعي التقليدية، وما يزال المزارع الصغير بعيدًا عن دائرة التحول الرقمي، ما يحد من قدرة الشركات على التوسع الميداني، رغم انتشار نماذج الابتكار الزراعي.
وقال إبراهيم خليل، الرئيس التنفيذي لشركة فينتك روبوز للتكنولوجيا المالية، إن التحول نحو الزراعة الذكية يعتمد على الاتصال السريع والحساسات والتحليلات السحابية، وكلها تقنيات تحتاج إلى بنية تحتية رقمية قوية في الريف، بينما القرى الزراعية المصرية ما تزال تفتقر إلى شبكات اتصال حديثة قادرة على دعم تلك التطبيقات.
وأضاف أن تأسيس صناديق تمويل متخصصة بالشراكة بين الدولة والمستثمرين الدوليين، يوفر دعمًا للشركات في مراحل التوسع وتوفير مسارات التمويل المستدامة، لافتا إلى ضرورة توحيد جهة تنسيقية تضم القطاعات الزراعية، لتقليل زمن اعتماد الابتكارات وجذب الاستثمارات.
وأشار خليل ، إلى ضرورة إطلاق برامج دمج بين الشركات والمزارعين عبر منصات رقمية ومشروعات تجريبية محلية وحوافز للتبني التكنولوجي، لسد الفجوة بين الابتكار والإنتاج التقليدي، إضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية الرقمية الزراعية عبر توسيع شبكات الإنترنت في القرى وإدماج تقنيات الاتصال في مشروعات الري والتربة، وبناء قواعد بيانات مركزية للزراعة الذكية.